لعنة التناسخ - 229 - وادٍ (2)
الفصل 229: وادٍ (2)
وقف هناك رجل عملاق. يزيد طول حراس ليهينجار وأمان رور، الملك الوحش، عن مترين، لكن الرجل الشاهق الواقف فوق الجرف بدا وكأنه أطول منهم برأس كامل أو حتى أكثر.
يرتدي الفراء على كتفيه، رغم من أنه يصعب معرفة هل ينتمي الفرو إلى حيوان أو وحش. بالإضافة إلى ذلك، ذراعه اليسرى مغطاة بما بدا وكأنه دعامة مصنوعة من مادة غير معروفة، وهذه هي كل الدروع التي يمتلكها. حتى في مثل هذا الطقس القاسي المتجمد، الرجل بلا ملابس شتوية سميكة، وظلت عضلات صدره وذراعه الكبيرة مكشوفة.
لكن، على الرغم من الطقس المتجمد، بدا غير منزعج تمامًا، أنفاسه بطيئة وثابتة على الرغم من أن صدره عارٍ. جعلت عضلاته السميكة الهائلة الرجل يبدو أطول وأكبر مما كان عليه بالفعل.
إمتلك الرجل أيضًا فأسًا متدليًا على كتفه؛ من حيث المظهر، السلاح القوي يشبه فأس الحطاب. علاوة على ذلك، بدا كبيرًا بما يكفي لإسقاط شجرة عملاقة بضربة واحدة. في الواقع، كان الرجل قد قطع رأس نـور، وحشٌ عملاق، بضربة واحدة، ولم تتبقَ قطرة دم واحدة تلطخ نصل فأسه.
نثرت الرياح شعر الرجل أمام وجهه، وسقطت نظرته ببطء من خلال ستارة الشعر. يستحيل أن يفشل يوجين وانيسيه في التعرف على هذا الرجل — مولون الرور. على الرغم من أن وجهه مغطىً بلحية فوضوية، على عكس قبل ثلاثمائة عام، إلا أن هذا ليس مهمًا. حتى لو ربى مولون لحية، هو لا يزال مولون.
على الأقل، هكذا من المفترض أن يكون.
وقف يوجين وانيسيه متجمدين في مكانهما للحظة.
وقف الاثنان هناك في مكانهما، ينظران إلى وجهه. على الرغم من أن يوجين قد نادى بإسمه، إلا أنه لم يستطِع المتابعة بأي شيء آخر. هل ذلك لأن مولون صار أطول مما كان عليه قبل ثلاثمائة عام؟ أم ذلك لأنه كان أكبر وأضخم؟ هل ذلك لأنه يغطي ذراعه اليسرى بدعامة غريبة، أم ذلك لأنه ربى لحية؟ وحتى مع ذلك، مولون لا يزال مولون، صحيح؟
رأى يوجين وانيسيه العيون التي نظرت إليهما. العيون التي تنتمي إلى صديقهم القديم متجمدة، ولم تحتوي على أي عاطفة. من المستحيل تقريبا التفكير في أن مثل هذه العيون يمكن أن تنتمي إلى مولون. هل ذلك لأنه لم يسمع يوجين ينادي بإسمه؟ هذا ممكن بالتأكيد لأن يوجين بالكاد صرخ بما يكفي بسبب صدمته الهائلة.
لم يستطِع يوجين أن يفهم لماذا مولون ينضح بمثل هذا الجو. ربما بإمكان يوجين أن يتفهم رد الفعل هذا لو أتى إلى هنا لوحده لأنه لن يكون من الغريب أن يكون مولون حذرًا من الغرباء المجهولين. ومع ذلك، يوجين ليس وحده هنا. هو مع كريستينا، التي بدت تمامًا مثل انيسيه. حتى لو فشل مولون في التعرف على يوجين على أنه تناسخ هامل، فلا يمكن أن يفشل في التعرف على كريستينا، أو بالأحرى انيسيه. هذا بلا ذكر أمر آخر، انيسيه تنشر جميع أجنحتها الثمانية.
“مرحبًا، مولون.” قال يوجين مرة أخرى بعد إخماد مشاعره. هناك الكثير من الأشياء التي لم يستطِع فهمها.
هو ليس متأكدًا تماما هل هذا الوحش هو نـور، موضوع تحذير الحراس والشخصية الرئيسية في أساطير بايار القديمة. ما شعر به يوجين وانيسيه من الوحش هو نفس الإحساس المشؤوم والمثير للاشمئزاز الذي شعروا به من ملك الدمار الشيطاني، وهذا ليس مجرد وهم أيضًا. لقد شعروا بالخوف المدمر وصولًا إلى عظامهم، وهذا شيء شعروا به فقط من ملك الدمار الشيطاني بين جميع ملوك الشياطين والشياطين الذين واجهوهم. بالطبع، هذا الإحساس قد تضاءل مقارنة بالشعور الذي أطلقه ملك الدمار الشيطاني، لكن الوحش نجح في إستحضار ذكرى ثلاثمائة عام بوجوده وحده.
لم يستطع يوجين فهم سبب وجود مثل هذا الوحش على هذا الجبل ولماذا مولون هنا بعد دخوله العزلة قبل 100 عام. هناك الكثير لم يفهمه.
“أيها المعتوه الغبي.” صرخ يوجين.
لكن الحقيقة تقال، ما الذي يهم في مثل هذه الأشياء؟ إن رفيقه منذ ثلاثمائة عام على قيد الحياة وبصحة جيدة. لم يعرف ما الذي عاشه مولون، لكنه بدا على ما يرام واقفًا على الجرف. لم يزيف موته مثل فيرموث، ولم يتم ختمه بفتحة في صدره مثل سيينا، أو قتل نفسه مثل انيسيه.
لذلك انطلق يوجين من الأرض وقفز عاليًا. الجرف طويل، لكن يوجين تمكن من الوصول إلى نهايته بقفزة واحدة. تبعته نظرة مولون إلى أعلى، وإلتقت نظراتهم في الهواء. لكن ما رآه يوجين هو عيون باردة غريبة.
لم يتذكر يوجين عيون مولون على أنها هكذا. لقد بدت عيونه مملة وغامضة، كما لو أن مولون قد تعرض للعوامل الجوية ودُمِرَ بسبب الثلاثمائة عام التي مر بها، ولم يستطِع يوجين إلا أن يتساءل عما مر به مولون في الثلاثمائة عام الماضية بعد وفاة هامل. بدا متعبًا ومُرهقًا، تماما كما ظهر فيرموث على الكرسي في غرفة لايونهارت المظلمة.
أوشك يوجين على الوقوف على الجرف عندما هز مولون رأسه، وقبل هبوطه مباشرة، لوح مولون بيده. على الرغم من أنها موجة لطيفة من يده، إلا أنها تسببت في عاصفة قوية من الرياح مثل خاصة تيمبست. ارتفع الثلج المبطن للجرف تحت ضغط هائل وتناثر. لم يتوقع يوجين هذا التطور، فقد تم إلقاؤه على الفور إلى الوراء، ولم يتخيل أبدًا أن مولون سيدفعه بعيدًا. تم نقله إلى مسافة بعيدة عن طريق الرياح.
“أوي!” صرخ يوجين. أُصيب بالذهول وأعطى أوامر على الفور لأرواح الريح وأوقف نفسه. ثم دفع نفسه إلى الأمام بعاصفة رياح أقوى وإقترب من الجرف.
“عُد.” إنفصلت الشفاه المتمركزة بين اللحية الفوصوية، وإستمر مولون وهو يحدق مباشرة في وجه يوجين، “هامل.”
بدا أن مولون قد تعرف على يوجين، على الرغم من أنه بدا مختلفًا تمامًا عن حياته الماضية. هل ذلك بسبب الطريقة التي خاطبه بها يوجين؟
العودة؟ إلتوى تعبير يوجين بإنزعاج. تم لم شمله مع مولون بعد ثلاثمائة عام، بعد تسلق هذا الجبل الملعون. هناك الكثير الذي أراد أن يسأله مولون، لكن المعتوه يطلب منه العودة؟
“اللعنة عليك.” لم يملك يوجين أي نية للإمتثال لكلمات مولون. تحرك يوجين مرة أخرى نحو الجرف بعد عودته، وإرتفعت لحية مولون وهو يبتسم ابتسامة عريضة. رفع فأسه فوق كتفه، ثم أمسكه بيد واحدة قبل أن يؤرجحه في الهواء.
لم تحتوي الضربة على أي عداء على الإطلاق، لكنها خلقت قوة هائلة من المستحيل مقاومتها وجهًا لوجه. أمسك يوجين وينِد بشكل إنعكاسي من داخل عباءته ودعا رياح تيمبست.
كواااااااااااا!
إندلعت عاصفة خلف مسار وينِد. على الرغم من أن السيف والفأس لم يتصادما بشكل مباشر، إلا أن العبء الأكبر من ضرباتهم إصطدم في الجو. أدرك يوجين على الفور الإختلاف الهائل بين قوتهما، على الرغم من أنها مواجه بلا تحضير بالتأكيد. قوة مولون الغاشمة قوية للغاية، تماما مثل ثلاثمائة عام مضت. على الرغم من أن عينيه ومظهره قد تحملا العبء الأكبر لمرور الوقت، إلا أن القوة الموجودة في عضلاته الكبيرة للغاية لم تتلاشى على الإطلاق.
‘لا، في الواقع، إنه أقوى مما كان عليه قبل ثلاثمائة عام….’
إنهار صراع العواصف، وأُلقيَّ يوجين إلى الوراء. القوة الموجودة في القوة التي تدفعه للخلف هائلة، ولم يستطِع يوجين معرفة إلى أي مدى سيتم إرساله يطير إذا لم يقاوم. وهكذا، دعا يوجين مرة أخرى الرياح وأوقف نفسه في الجو، ثم نزل.
“هذا المعتوه.” بصق يوجين بينما يدفع نفسه ضد العاصفة الثلجية. رأى ظهر انيسيه عندما عاد إلى قاع الجرف. تقف في مكانها بعد أن وضعت أجنحتها الثمانية بعيدا.
“انيسيه، هل أنتِ بخير؟” استفسر يوجين.
“أنا بخير.” أجابت دون النظر إلى الوراء. بدلًا من ذلك، رفعت إصبعها ببطء إلى حيث نظرتها تتجه — قمة الجرف. حذا يوجين حذوها ونظر إلى الجرف مرة أخرى.
“أين ذهب ذلك المعتوه؟” سأل يوجين بعبوس عميق. لم يستطِع رؤية مولون أو جثة الوحش.
تجاهلته انيسيه ونظرت إلى الوراء. “لا أعرف. إختفى فجأة في العاصفة الثلجية.”
“إختفى هذا الغبي الأحمق مع تلك الجثة الكبيرة بغباء؟ ماذا، هل أمسك الجثة وقفز بعيدًا؟” سأل يوجين.
“لا. على الرغم من أنني لا أعرف الكثير عن السحر، فقد إختفى مولون مع الجسد كما لو أنه سحر. إختفى الإثنان في غمضة عين.” قالت انيسيه.
تذمر يوجين وهو يقترب من انيسيه: “سألقي نظرة بنفسي.”
قالت انيسيه: “لقد أعدت جناحي بالفعل.”
“حسنا، يمكنك إخراجهم مرة أخرى. ومنذ متى أنتِ مضطرة لإخراج أجنحتك للطيران؟ أعلم أنه يمكنك فعل ذلك بدون جناحيك. أو يمكنك القفز فقط. يمكنك القفز عاليًا، ألا يمكنك؟” واصل يوجين تذمره.
على الرغم من أن الجرف مرتفعٌ نسبيًا، إلا أن يوجين لم يملك شكًا في أن انيسيه أكثر من قادرة على القفز إلى القمة.
“كريستينا تفتقر إلى القدرات البدنية. وأنا بحاجة لجناحي لكي أبدو مقدسة، هل نسيت؟” أجابت انيسيه.
“ليس الأمر كما لو أن أي شخص يشاهد الآن.”
“أوه، صحيح. أعتقد أننا أنا وأنت الوحيدان هنا الآن، هامل.” قالت انيسيه بإبتسامة.
كريستينا ستصرخ من الإحراج لو كانت مستيقظة، لكن لسوء الحظ، لا تزال فاقدة للوعي داخل عقلها. انيسيه تأمل في أن يحمر يوجين بالإحراج، لكنه بدا غير مبال. في المقام الأول، لم يُحرج يوجين مما قاله أثناء الألعاب النارية، فلماذا يشعر بالحرج الآن؟
قال يوجين قبل أن يخطو خطوات كبيرة نحو انيسيه: “إذن أعتقد أنه ليس باليد حيلة.” بعد التوقف أمامها، وضع يده فجأة على خصرها.
تجمد دماغ انيسيه بسبب عمل يوجين المفاجئ غير المتوقع. ومع ذلك، أحضرها يوجين إلى حضنه وحملها دون الإهتمام بكيفية تصلبها.
قال يوجين: “إبقي ساكنة.”
هذا إختيارٌ معقول وفقًا لمعايير يوجين. على الرغم من أنه لم يستطِع رؤية مولون على الجرف الآن، أليس من الممكن أنه يختبئ في مكان ما؟ علاوة على ذلك، يمكن أن يؤرجح مولون فأسه مرة أخرى كما فعل من قبل. بالطبع بكل تأكيد، عرف يوجين أن انيسيه قوية بما يكفي لحماية نفسها، لكنه رأى أنه سيكون من الآمن حملها أثناء طيرانه.
‘مـ-مـ-مـ-محمولة مثل الأميرة….’
في الواقع، انيسيه تتطلع سرًا لحدوث شيء كهذا. ومع ذلك، هي تأمل في أن يكون وجه يوجين مصبوغًا باللون الأحمر، وسيتردد عندما تقترح عليه القيام بذلك بدلًا من أخذ زمام المبادرة. بعبارة أخرى، انيسيه ليست مستعدة لكي يحملها يوجين بهذه الطريقة. لذلك لم تستطِع السخرية منه لكنها سمحت له بهدوء بحملها بين ذراعيه بدلًا من ذلك. هي متأكدة من أنها يمكن أن تستعيد رباطة جأشها وتضايقه لو بقيت بين ذراعيه لفترة من الوقت، ولكن….لسوء الحظ، لم يأخذ الجرف الطويل سوى قفزة واحدة بسيطة حتى يتسلقه يوجين.
“إنه ليس هنا.” تذمر يوجين بعد هبوطه على الجرف وهو يضع انيسيه. لا، على وجه الدقة، حاول وضعها. بعد أن عادت إلى رشدها متأخرة، لفَّت انيسيه ذراعيها بإحكام حول رقبة يوجين. على الرغم من أنه أطلق سراحها بالفعل من ذراعيه، إلا أنها أمسكت برقبته بالضغط على ذراعيها بإحكام. القوة التي شعر بها يوجين بين ذراعيها جعلت من الصعب جدًا تصديق أنها تفتقر جسديًا.
“ماذا تفعلين؟” سأل يوجين.
“هم.” لم تجد انيسيه إجابة جيدة، لذلك قامت بتطهير حلقها بدلًا من ذلك بينما خففت قبضتها ببطء. نزلت، ثم نظرت حولها قبل التعليق، “المكان نظيف.”
“أنا أعلم.” أجاب يوجين.
النـور هو وحش كبير مثل العملاق. ليس من الغريب أن يصبغ دمه الأسود كل الثلج على الجرف، ولكن الغريب أن الأرض نظيفة وبيضاء. علاوة على ذلك، لا توجد آثار لجثة يتم جرها بعيدًا.
“أنتِ على حق. إنه مثل السحر.” تمتم يوجين بسخرية. هل من الممكن أن يكون مولون قد تعلم السحر خلال ثلاثمائة عام؟ هذه ليست إحتمالية مستحيلة.
أدار يوجين رأسه ونظر إلى انيسيه. لقد قالت أن مولون قد اختفى مع جسد الوحش مثل السحر. نعم، صحيح أن انيسيه لم تعرف الكثير عن السحر. ولكن لمجرد أن انيسيه نفسها لا تعرف كيفية استخدام السحر لا يعني أنها لا تستطيع التعرف عليه. هذه الظاهرة ليست ناتجة عن السحر ولكن بسبب شيء مشابه للسحر.
نظر يوجين حوله مرة أخرى. حتى أثناء حمل آكاشا في عباءته، لم يستطِع معرفة كيف اختفى مولون مع الجثة.
“ألم يقُل مولون أي شيء لك؟” سأل يوجين.
“لم يقل شيئا يا هامل.” أجابت انيسيه: “لقد نظر إلي للحظة قبل أن يذهب.”
“كيف إختفى مولون؟” سأل يوجين.
“فجأة. تمامًا مثل السحر. لا أعرف بالضبط كيف، وعلى الرغم من أنني قلت…..أنه إختفى في غمضة عين، لم أُغمض عيني في الواقع، هو فقط إختفى بهذه السرعة وفجأة. إختفى في العاصفة…..وكأنه لم يوجد أساسًا.” أجابت انيسيه.
قال يوجين: “هناك تفسير واحد فقط يمكنني استنتاجه مما تقوله والآثار هنا.”
“حاجز.” قالت انيسيه.
من المحتمل أن الجرف نفسه إمتد على الحدود كحاجز. جسد مولون والنـور على جرف مختلف يوازي هذا المنحدر. بالنسبة للحواجز المشابهة لهذه، لا بد أن يكون هناك طوطم يعمل على تشغيله. ومع ذلك، بغض النظر عن الطريقة التي حاول بها، لم يستطِع يوجين أن يرى من خلال الحاجز، حتى مع آكاشا، ولم يستطع البحث بشكل أعمى عن الطوطم، ولا يعرف ما يكمن وراء الجرف والحاجز.
“دعونا نذهب إلى أسفل.” قال يوجين مع عبوس عميق. “هذا ما قاله مولون. أن نعود.”
“ومنذ متى أنت مطيع جدًا لما يقوله مولون؟” سألت انيسيه.
أجاب يوجين: “مولون أكبر مني.”
ردت انيسيه: “لقد كان أكبر منك أيضًا قبل ثلاثمائة عام.”
قال يوجين: “في ذلك الوقت، كان مولون أكبر مني بثلاث أو أربع سنوات فقط.”
“خمس سنوات.” صححته انيسيه.
“في تلك الأيام، فارق الخمس سنوات هو لا شيء. كنا جميعًا مجرد أصدقاء على أي حال.” قال يوجين: “إذا أردنا التحدث بالتفاصيل، انيسيه، فأنتِ أكبر مني بسنتين.”
“ثلاث سنوات.” صححته مرة أخرى.
“في ذلك الوقت، كنا جميعا متساوين بغض النظر عن أعمارنا ومتى ولدنا. لكن، لقد مرت ثلاثمائة عام، وعمر ذلك اللقيط مولون هو ثلاثمائة عام الآن.” قال يوجين: “أنا متأكد من أنه لم يخبرني أن أعود لمجرد أنه لا يحبني، لذلك دعونا نعود ونكتشف الأمور.”
“كم هذا لطيف.” علَّقت انيسيه.
“ماذا؟”
“بغض النظر عن السبب الخاص بك، فَـقد أظهرت الإحترام لإرادة مولون. هامل، هل أنت خائف من أن يدفعك مولون مرة أخرى أثناء بحثك بعناد في ذلك المكان….؟” سألت انيسيه.
“توقفي عن قول أشياء غريبة. مولون على قيد الحياة، وأنا متأكد من أن لديه أسبابه.”
“هذا ما نسميه الإحترام.” سخرت انيسيه قبل الإبتعاد. قفزت من الجرف، معتقدة أن هامل بدا لطيفًا بشكل لا يصدق بوجهه الخجول، وهو يتمتم مثل الأحمق.
“آه.” لم تدرك شيئًا حتى وصلت إلى الأرض. كان بإمكانها أن تطلب منه مساعدتها، قائلة إن المكان عالٍ جدًا. لو فعلت، كان بإمكانها أن تجعله يحملها مثل الأميرة مرة أخرى….!
أدارت انيسيه عينيها على عجل بندم. يوجين ينظر إليها بعيون ضيقة وتعبير سخيف.
“احم.” طهرت انيسيه حلقها بينما تُهدئ خيبة أملها.
كان هابيل ينتظرهم بأذنين متدليتَين عندما عادوا إلى الخيمة. إختفى الشعور المشؤوم المماثل لملك الدمار الشيطاني مع موت النـور، أو الوحش المجهول. بفضل ذلك، لم يُظهِر هابيل الخوف كما فعل من قبل.
بعد فترة وجيزة، أخرجت مير رأسها بلطف من عباءة يوجين، وعادت كريستينا أيضًا إلى رشدها.
شعرت كريستينا بالخجل من نفسها بسبب الإغماء دون أن تتمكن من إظهار أي مقاومة وألقت باللوم على نفسها.
[من الطبيعي أن يغمى عليك، كريستينا. بعد كل شيء، لم تختبري أي شيء كهذا من قبل، صحيح؟] أراحتها انيسيه.
فعل يوجين الشيء نفسه. “لقد أغمي علينا تقريبا منذ ثلاثمائة عام، على الرغم من أننا مررنا بكل أنواع الأشياء.”
قالت كريستينا وهي تجمع أنفاسها: “لكن هذا لم يكن ملك الدمار الشيطاني.”
“لكنه الشعور الذي يعطيه هذا الوحش مشابه. لا تدعي ذلك يثقل كاهل قلبك. إنه مثل الخوف الغريزي، شيء لا يمكنك مقاومته حقا بدون خبرة.” طمأنها يوجين عندما إنتهوا من وجبتهم من قبل. صارت العصيدة باردة، لذا قاموا بغليها مرة أخرى. الطعم أسوأ من المعتاد.
بعد يومين، عبر يوجين وكريستينا حدود ليهينجار ووصلا إلى ملاعب تدريب ليهاين. إنها قلعة محمية بجدران عالية ولكنها على شكل قرية متصلة بقلعة. إستخدم فرسان مملكة الرور بشكل أساسي ساحات التدريب، لكن سكان قبائل بايار يقيمون في القرية. أولئك الذين لم يغادروا حقل الثلج هم من يديرون القلعة منذ أن تم بناؤها أثناء إقامتهم في القرية.
معظم حراس ليهينجار هم من مواطني بايار الذين ولدوا في القرية، والعديد من المحاربين الشباب يحلمون يوما ما بالذهاب إلى هاملون، العاصمة، ليصيروا فرسان الملك المختارين.
“إنها كبيرة.” تمتم يوجين بعد دخوله القلعة.
لم يشِر فقط إلى القلعة أيضًا. السكان الأصليون للقرية طِوال وعمالقة تقريبًا، تماما مثل مولون، ملك الرور، وحراس الجبل الثلجي. يوجين أيضا طويل القامة، لكنه لم يستطِع رؤية أي رجال في القلعة أقصر منه. على أي حال، القلعة نفسها هائلة أيضًا.
هذا حدث من أجل مسيرة الفارس. بمجرد تأكيد موقع مسيرة الفرسان، أمر الملك الوحش بتوسيع قلعة ليهاين على نطاق واسع. لم يعرف يوجين بالضبط عدد الفرسان والمرتزقة الذين سيأتون إلى مسيرة الفرسان، لكن القلعة الموسعة بدت كبيرة بما يكفي لإستيعاب جميع الزوار.
قال يوجين: “النهر المشتعل.”
تدفق نهر ساخن ينفث البخار عبر ضواحي القرية. ربما بفضل ذلك، لم يحسوا بالبرد الشديد على الرغم من الثلج.
أجاب القروي المسؤول عن قيادة طريقهم: “لا يسمح لك بالدخول دون الإغتسال ولا يسمح لك بالدخول مرتديًا أي شيء آخر غير ثوب السباحة.”
“لن أدخل.”
“لا نرى الكثير من الزوار هنا بشكل طبيعي، ويبدو أن العديد من الغرباء الموجودين هنا مخطئون تمامًا. هذه هي نهاية حقل الثلج الشمالي، وقد أقام سكان بايار الأصليون في هذا المكان لفترة طويلة. لسوء الحظ، هذا يعني أنهم يحبون التفكير في أننا جاهلون وبربريون.” تابع القروي بلا مبالاة. مثل السكان الأصليون الآخرون، القروي طويل للغاية، أطول برأس كامل من يوجين.
“لكننا لسنا جاهلين أو بربريين كما يعتقدون. النهر المشتعل….في الواقع، من الرائع الذهاب إلى هناك عندما تتساقط الثلوج، لكن هذا لا يعني أننا سندخله دون الإغتسال أولًا. لو أراد شخص فعل شيء كهذا، فَـيمكنه إستخدام الينابيع الساخنة الخاصة بمنزله. النهر ينتمي إلى القرية، لذلك لا يجب أن تجعل جيرانك غير مرتاحين. الجميع هنا يحترم القواعد.” قال القروي.
“هل هذا صحيح؟” قال يوجين.
“لكن عشيرة لايونهارت هي صديقة لمؤسسنا. على الرغم من مرور ثلاثمائة عام، إلا أن عشيرة لايونهارت لا تزال صديقة لعائلة الرور. لذا، يا سيدي يوجين لايونهارت، إذا رغبت في القفز إلى هذا النهر الآن.” قال القروي بتردد.
“هل قفز شخص ما بالفعل؟” سأل يوجين. شعر بقلبه يسقط قليلًا.
“لا، لم يقفزوا. بدلًا من ذلك، ساروا في الينابيع الساخنة قائلين إنها مذهلة، دون حتى خلع أحذيتهم.” أجاب القروي.
تمتم يوجين: “لا بد أنها كانت السيدة كارمن.”
“كيف عرفت؟” سأل القروي متفاجئًا.
“السيدة كارمن هي الوحيدة التي تتمتع بمثل هذا السلوك غريب الأطوار في عائلة لايونهارت.” وقال يوجين “أعتذر نيابة عنها كعضو في الأسرة.”
أجاب القروي: “لقد سمعنا بالفعل اعتذارات كافية.”
غادر الأعضاء الآخرون في عائلة لايونهارت قبل أيام قليلة من يوجين ووصلوا إلى ليهاين في وقت سابق.
ومع ذلك، سيان، سيل، ديور، والأميرة سكاليا لم يصلوا بعد. شعر يوجين بالقلق الداخلي، لكنه لم يتسرع في البحث عنهم، جزئيًا بسبب ما قالته انيسيه له من قبل. لم يستطِع الإستمرار في معاملتهم كما لو أنهم أطفال.
“ضيوف عشيرة لايونهارت يقيمون في هذا القصر.” قال القروي عند وصولهم إلى قصر كبير بالقرب من القلعة: “إنه القصر الذي يحتوي على أكبر ينبوع ساخن، بإستثناء القلعة والحمامات العامة في المدينة.”
الملوك والفرسان الملكيون من دول مختلفة يقيمون في القلعة. لا يزال هناك أربعة أيام حتى بداية مسيرة الفرسان، لكن ملوك كل بلد، بإستثناء ملك الرور، قد وصلوا بالفعل.
آيوريوس، بابا الإمبراطورية المقدسة.
ستراوت الثاني، إمبراطور إمبراطورية كيهل.
آلابور، سلطان نهاما.
ديندولف، ملك آروث.
قادة الإمبراطوريات والدول المماثلة حاضرين، وكذلك الملك ريغوس، ملك مملكة فلايفور ومدير التحالف المناهض للشيطان، وملوك آخرون ينتمون إلى التحالف. معظم حكام القارة، بإستثناء حكام هيلموث، يقيمون حاليًا في هذه القلعة.
قال القروي قبل العودة: “حسنًا، من فضلك إستمتع بإقامتك.”
حدق يوجين في القلعة لفترة من الوقت. بإمكانه بالفعل أن يشعر ببعض النظرات، النظرات التي تنتمي إلى أشخاص متعجرفين ليس لديهم رغبة ولا سبب لإخفاء أعينهم. يمكن أن يشعر يوجين بالنظرات القادمة من إرتفاعات مختلفة. بدا ذلك واضحًا تمامًا. لم يقف كل الملوك على أرض متساوية، والإمبراطوريات متفوقة على الممالك، بينما يمكن تقسيم الممالك إلى ممالك كبيرة وصغيرة.
يطلق عليه المجيء الثاني لفيرموث العظيم. على الرغم من أنه ليس من المقرر أن يكون لورد الأسرة التالي، إلا أنه لايونهارت من العائلة الرئيسية لعشيرة لايونهارت الذي سيقود الجيل التالي بالتأكيد.
لذلك يولي حكام السلطة الملكية إهتمامًا كبيرًا بِـيوجين.
“السير يوجين.”
“لن أكون وقحًا.” قال يوجين بإبتسامة متكلفة: “أنا فقط أنظر، هذا كل شيء.” ثم أدار رأسه قبل أن يسير في القصر بخطوات خفيفة.
“يمكنهم أن ينظروا كما يريدون من هناك.”